ورقة حــــول
مشروع الذخيرة اللغوية
د. عبد الرحمان الحاج صالح(*)
إن مشروع الذخيرة اللغوية العربية مشروع عربي ستشرف عليه المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم. وقد عرض، لأول مرة، على مجلسها التنفيذي في ديسمبر 1988 فوافق أعضاؤه على تبنيه.
وقد راسلت المنظمة بعد ذلـك، أهم المؤسسات العلمية العربية والجهات الرسمية المعنية بالتربية والتعليم العالي والبحث العلمي تطلب منها إبداء الرأي فيه وفي كيفية تنفيذه، فتوالت على المنظمة إجابات كثيرة كلها إيجابية وأجمعت على أهمية المشروع وضـرورة الشروع في إنجازه في أقرب الآجال.
ثم نظمت جامعة الجزائر مع المنظمة في ماي 1991، أول ندوة للمشروع شارك فيها بعض ممثلي الهيئات العلميـة العربية وذلك للنظر في كيفية إنجاز المشروع واتخـاذ التدابير اللازمة لسير العمل المشترك. وخرجوا بتوصيات تخص تنظيم العمل وكيفية المشاركة وإنشـاء الهيئات المناسبة للمتابعة. واتفقـوا على أن يلتقوا من جديد في ندوة ثانية موسعـة بجميع ممثلي البلدان العربية، والمفروض أن تعقد هذه الندوة في دمشق إن شاء الله.
ما هي الذخيرة اللغوية العربية وما هو الغرض منها؟
إن هذا المشروع نشأ من فكرة الاستعانة بالكومبيوتر (الحاسوب) واستغلال سرعته الهائلة في علاج المعطيات وقدرته العجيبة في تخزين الملايين من هذه المعطيات في ذاكرته، لإنشاء بنك آلي من المعطيات يحتوي على أهم ما حرّر بالعربية مما سينتجه على مرّ السنين.
وسيكون هذا البنك الآلي تحت تصرف أي باحث في أي مكان في العالم فيمكنه أن يسأل الحاسوب عما يشاء من المعلومات فيجيبه بسرعة الضوء.
ونحن نعرف أن الباحث –واللغوي خاصة- قد يقضى الشهور بل والسنين الطوال في قراءة الأسفار الكثيرة من الكتب حتى يعثر على بغيته.
وقد شرعت بعض المؤسسات العربية في تخزين بعض النصوص العربية وذلك مثل القرآن الكريم وكتب الحديث والشعر الجاهلي. فالذي نرجوه هو أن يعمم ذلك على نطاق واسع في الوطن العربي.
فالذخيرة اللغوية العربية هي إذن بنك آلي من النصوص القديمة والحديثة (من الجاهلية إلى وقتنا الحاضر). وأهم صفة تتصف بها هي سهولة حصول الباحث على ما يريد، وسرعته ثم شمولية المعلومات التي يمكن أن يحصل عليها وأهم من هذا أيضاً اشتمالها على الاستعمال الحقيقي للغة العربية عبر العصور وعبر البلدان العربية المختلفة.
أ- أهداف المشروع:
يرمي مشروع الذخيرة اللغوية العربية إلى إنجاز:
1. بنك آلي للغة العربية المستعملة بالفعل (بنك نصوص)
2. معجم آلي جامع للغة العربية مع المقابل الفرنسي والإنكليزي يستخرج من البنك الآلي المذكور (معجم مفردات).
ب - مواصفات المشروع:
سينجز البنك الآلي (أو الحاسوبي) للمعطيات النصية انطلاقا من الاستعمال الحقيقي للغة العربية ليضم:
1. المؤلفات ذات القيمة الكبيرة في الآداب والعلوم والتكنولوجيا وغيرها، القديمة منها والحديثة؛
2. المحاضرات الجامعية القيمة المنشورة؛
3. المقالات ذات القيمة المنشورة في المجلات الأدبية والعلمية والبحوث القيمة المعروضة في الندوات والمؤتمرات والموائد المستديرة وغيرها؛
4. جميع المعاجم العربية والمزدوجة اللغة القديمة والحديثة (مثل لسان العرب والمعجم الكبير الحديث وغيرهما)؛ والغرض من بنك النصوص الآلي هو أن يكون قاعدة معطيات دائمة بحيث تقبل الزيادة والتصحيح على الدوام بسبب تطور المعلومات من خلال الاستعمال الحقيقي للغة العربية وبالتالي أن تصير المصدر الأساسي لإنجاز المعجم الجامع للغة العربية الذي سيحرره العلماء وخاصة أعضاء المجامع العربية وإنجاز العدد الكبير جدا من الدراسات والبحوث في اللغة العربية، زيادة على ذلك.
والذي يميز هذه الذخيرة اللغوية عن الذخائر التي أنجزت في الزمان الحاضر كذخيرة اللغة الفرنسية مثلا هو في وجود هذا البنك الآلي للنصوص العربية السابق الذكر وكونه بنكا مفتوحا غير مغلق بل قابل للزيادة والتصحيح. وسيكون بفضل شبكة اتصال دولية عربية تحت تصرف أي باحث في العالم في أي وقت أراد ويمكن أن تضاف إليه كل الزيادات الممكنة وأن تدخل فيه كل النصوص ذات الأهمية على الدوام وبدون انقطاع.
ج – ما سيترتب على إنجاز الذخيرة من الفوائد
1 - اعتبارات عامة
إنّ أهم ما تختص به الذخيرة اللغوية العربية هو أنها تتناول الاستعمال الحقيقي للغة العربية كما سبق أن قلنا، من أقدم العصور حتى العصر الحاضر. فالنصوص –أو السياقات- هي التي ينبغي أن يعتمد عليها لتحديد معاني المفردات ولا يكتفى في ذلك بالمعاجم الموجودة.
ثم إن ما سيترتب على ذلك من المنافع هو شئ عظيم كما يصرح بذلك الذين سيساهمون في إنجازها أنفسهم لأن البحث عن مفردة أو صيغة أو بنية تركيبية أو عبارة جامدة أو أي شئ يخص اللغة في نص واحد أو عدة نصوص قد يتطلب زمناً طويلا جدا وقد يقضي الإنسان عمره في البحث عن هذه الأشياء ولا سيما بالنسبة للنصوص التي لم تفهرس وحتى المفهرسة منها فقد لا تفي بكل ما يطلبه الباحث. وسرّ الذخيرة أنها فهرسة كبيرة شاملة لكل ما أنتجه الفكر العربي منذ الجاهلية إلى يومنا هذا. أضف إلى ذلك أنها آلية وسرعة العثور فيها على ما يطلبه الباحث هي في سرعة الضوء. كما يمكن أن نعرف بالضّبط المعاني التي قصدها المستعملون للغة العربية عبر العصور من سياقات الكلمات وهذا متعذّر على الباحث الأعزل الذي لا يستعين بالأجهزة الحديثة.
لا ينبغي أن يعتقد الباحث اللغوي أن هذه الذخيرة وهذا المعجم يلغيان الأعمال العظيمة التي ينجزها العلماء. فالذخيرة هي هذه الأعمال نفسها وليس فيها إلا ما يحرره العلماء. فالجديد فيها هو فقط اللجوء إلى الوسائل الآلية الجبارة واستغلالها كما تستغل حاليا في جميع الميادين التي تعالج فيها المعلومات.
هذا وستعطى الأولوية في تخطيط العمل إلى المصطلحات العلمية نظرا إلى الأهمية القصوى التي تكتسيها المصطلحات بالنسبة إلى تعريب العلوم في البلدان العربية.
2. بنك النصوص الآلي كمنبع موضوعي وموثق للمعاجم العربية والدراسات اللغوية عامة.
إن بنك النصوص المراد إنشاؤه سيكون المنبع الذي لا يستغني عنه أي باحث في اللغة بل ومنبع للكثير من الدراسات في العلوم الاجتماعية وتاريخ الأفكار والنظريات وغيرها.
وسيتمكّن الباحثون من إجراء:
رصد دقيق وشامل لاستعمال العربية في إقليم خاص في عصر من العصور؛
رصد منتظم للاستعمال الحقيقي لمصطلحات ميدان فنّي معيّن؛
تصفّح معاني الكلمات من خلال سياقاتها عـبر الزمان وتحديد تاريخ ظهور بعض الكلمات الفصيحة المولّدة أو اختفائها؛
تحليل لغة كاتب أو شاعر أو خطيب وإحصاء مفرداته بكيفية آلية وغير ذلك.
وعلى هذا الأساس يمكن أن تؤلف أنواع كثيرة من المعاجم مثل:
المعجم التاريخي للغة العربية؛
معاجم خاصة بأسماء الأعلام والأماكن وغيرها.
معاجم فنية في كل الميادين.
معاجم أساسية ووظيفية لتعليم العربية.
معاجم لألفاظ الحضارة قديما وحديثا.
معاجم للغة الطفل العربي.
د – إنجاز المشروع
1 – نشأة المشروع وتطوره
إن حجم المعطيات التي ستدخل في ذاكرة الحاسوب كبيرة جدا كما هو معلوم ويتعذر على ذلك أن تتكفل مؤسسة واحدة بهذا العمل مهما بلغت إمكاناتها، ولهذا السبب تبنّى المحركون لهذا المشروع مبدأ المشاركة التطوعية الجماعية على مستوى الوطن العربي وربّما على المستوى العالمي إن اقتضى الحال. وحصل هذا الاختيار في الندوة الأولى للمشروع التي انعقدت في الجزائر في سنة 1991 تحت إشراف المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، حيث جمعت عددا من الممثلين العرب لمؤسسات علمية وصدر عنها بعض التوصيات.
ثم إن هناك عددا من النصوص باللغة العربية قد تمت حيازتها (أي إدخالها في الحاسوب) في العشرية الأخيرة خارج هذا المشروع. فالذي نرجوه هو أن تعمّم هذه الأعمال وأن تنسّق التنسيق المحكم في المستوى الدولي.
وقد اقترحت الندوة الأولى المذكورة التنظيم التالي: تعيّن كل واحدة من المؤسسات العلمية المشاركة في المشروع في كل بلد، ممثلا لها لدى لجنة عربية دولية، بعد موافقة المنظمة العربية، لمدة خمس سنوات وتكون مهمة اللجان المحلية واللجنة الدولية التخطيط والتنسيق حتى لا يحصل تكرار للعمل.
وينبغي أن يحرر مشروع قرار أو مرسوم داخل كل بلد يرمي إلى اقتناء اللجان المحلية لكل إنتاج ذي قيمة يكون قد تمت حيازته في الحاسوب فيدخل عندئذ في الذخيرة.
2 – المدونات والمعطيات المعجمية التي يجب أن تدمج في الذخيرة
من حيث هذه النصوص والمدونات يمكن أن نذكر مدونة الرصيد اللغوي العربي، وقد بلغ تسجيل أكثر من مليوني كلمة من أفواه الأطفال بالعربية (مكتوبة ومنطوقة) عبر الوطن العربي. وقد تم أيضا حيازة النص القرآني والحديث الشريف بفضل بعض الشركات العربية، فيجب إلحاقها بالذخيرة. وكذلك كل ما حصلت حيازته كدواوين الشعر الجاهلي في مركز البحوث العربية بالجزائر والمصطلحات الحديثة في معهد الدراسات والأبحاث للتعريب بالرباط وغيرها. ويطلب من كل من قام أو هو بصدد القيام بعمل مثل هذا أن يطلع اللجنة المحلية على ذلك.
3 – البحوث المتعلقة بالذخيرة
اقتراح مخطط عام للفترة 1997 - 2000
إن البحوث التي تتطلبها الذخيرة تخص:
1. المشاكل التقنية واللغوية الخاصة بالحيازة.
2. حوسبة بنك النصوص الآلي.
3. إنجاز المعجم الجامع.
1- المشاكل التقنية واللغوية المتعلقة بحيازة المعطيات
أ- برمجة أعمال الحيازة
إن اللجنة المحلية تنظر فيما تقترحه عليها كل مؤسسة للحيازة ثم تقترح بدورها اللجنة الدولية ما اصطفته من المؤلفات والنصوص في مستواها وتنسق اللجنة الدولية بين هذه الاختيارات وتحاول أن تصل إلى قائمة ليس فيها تكرار، مع تحديد جدول زمني للعمل.
أما كيفية اختيار المؤلفات والنصوص وتحديد أدنى كمية مما يجب على كل مؤسسة مشاركة أن تتكفل به، فإن كل هذا ينبغي أن يخضع لمقاييس موضوعية ونذكر من بينها شهرة المؤلف أو النص مع قيمته العلمية أو الأدبية أو التاريخية، ثم فيما يخص تحديد أدنى عدد من المؤلفات فإنه سيقرر قريبا إن شاء الله.
ب- توحيد طرائق النشر الأوّلي وتقنيات الحصر والإحصاء
فهذا مهم جدا لأن النصوص تحتاج إلى علاج إضافي قبل حيازتها حتى تكون الاستفادة من تجميع النصوص في ذخيرة واحدة كاملة ونعني بذلك أن يتمكن الباحث من إلقاء أي سؤال على الذخيرة مما يخص السياقات والمراجع التي وردت فيها الكلمات وعدد المرات التي وردت بها وغير ذلك كثير.
2) حوسبة الذخيرة اللغوية
إن الصفة الأساسية لبنك النصوص هو أنه آلي وهذا يستلزم القيام بحوسبة هذا البنك أي أن يوضع له ما يسمى بالقوام البرمجي وهي مجموعة البرمجيات التي لا بد منها لاستثمار الذخيرة (إلقاء أسئلة على الحاسوب). وهذا القوام هو في الواقع نظام (نسق) لتسيير قواعد المعطيات التي هي نصوص بالنسبة للذخيرة.
وتجري الآن بحوث مكثفة في الوطن العربي فيمـا يخص هذه البرمجيات ونذكر على سبيل المثال البحوث الحاسوبية الخاصة بتنظيم التخزين للمعلومات وهي أهمها وبحوث تخص حيازة النصوص (إدخالها في ذاكرة الحاسوب) بكيفية آلية (المسح الضوئي).
أما فيما يخص الأسئلة التي تمس البنى اللغوية، فقد أنجزت برمجيات ناجحة جدا في هذا الميدان كالاستخراج الآلي لأبنية الكلم والمواد الأصلية وغير ذلك.
3) إنجاز المعجم الآلي الجامع للغة العربية
سيتكفل بذلك العلماء بعد إنجاز الجزء الكبير من البنك الآلي إن شاء الله.
فوائد أخرى يمكن أن نجنيها من الذخيرة الآلية
بالنسبة لمجامع اللغة والمؤسسات العلمية العربية وما تضعه من المصطلحات العلمية على مرّ الأيام ففوائد هذه الذخيرة كثيرة نذكر منها:
1. الاعتماد في وضع المصطلحات والبحث عنها على كل المعطيات اللغوية في ميدان معين من واقع استعمال اللغة العربية قديما وحديثا.
فالمتخصص الذي قد يحتاج إلى أن يضع مصطلحا معينا لا يجده فيما لديه من المراجع لمفهوم معيّن تجعل الذخيرة أمامه في بضع ثوان كل الألفاظ التي استعملت عبر العصور أو تستعمل الآن بالفعل عبر البلدان من تلك التي ينتمي إليها ذلك المفهوم. فهو لا يرجع بذلك إلى القواميس وقوائم المصطلحات التي اقترحت فقط (وربما لم تدخل بعد في الاستعمال) بل إلى الاستعمال الحقيقي في شتى البلدان العربية.
2. الاعتماد في اختيار اللفظ على مقياس الشيوع والدقة في دلالة المعنى المراد
ويستطيع المتخصص أيضا أن يعرف مع ذلك درجة شيوع هذه الألفاظ قديما وحديثا ثم يعرف مدلولها الحقيقي لا من التحديدات فقط بل من جميع السياقات التي وردت فيها في الاستعمال وهي أمثل الطرق لتحديد معاني الألفاظ وأكثرها موضوعية. وفوق كل هذا فأنه يحصل على كل هذا في بضع دقائق !
3. الاعتماد على هذا البنك النصي الآلي في البحث عن التطور الدلالي للألفاظ العربية ومن ثم إمكان وضع معجم تاريخي دقيق للغة العربية.
4. إمكان الفهرسة الآلية لكل النصوص العربية ذات القيمة العلمية والأدبية مما طبع وما يطبع وينشر على مستوى الوطن العربي (المصطلحات، الألفاظ الحضارية، بيان تردّد كل لفظة في النص الواحد، الأعلام وغير ذلك).
5. إقامة الدراسات العلمية المقارنة في مختلف الميادين حول مجموعة معينة من المفاهيم العلمية.
6. البحث المنتظم عن تطور الفكر العلمي العربي بالاعتماد على تطور دلالات الألفاظ العلمية داخل حقول دلالية عبر الزمان.
7. إمكان وضع معجم شامل للغة العربية المستعملة بالفعل تخصص لكل مدخل فيه دراسة لغوية دقيقة، وغير ذلك من الفوائد.
الوظائف اللغوية للذخيرة اللغوية العربية