مقالة فلسفية 12: الى أي مدي ساهم المسلمون في إرساء قواعد البحث العلمي ؟
24 أبريل ,2009
المقدمة: ينسب المنهج التجريبي الى الأوربيين، لما كان لهم من الفضل في إرساء واعد البحث العلمي، لكنه فضل يجعلنا نقف عنده لنتساءل عن دور العلماء المسلمين في إرساء قواعد البحث العلمي، والمشكل الذي نطرحه إذا كان تاريخ الفكر الإسلامي قد ترك لنا أسماء لعلماء أجلاء كان لهم الفضل الكبير في إرساء أسس العلوم و تطورها، هل هذا يعني أن المسلمين ساهموا في إرساء قواعد البحث العلمي ؟ إذا كان ذلك كذلك، فلماذا لا تنسب إليهم هذه المناهج ؟
التحليل: قبل ان نجيب عن هذا السؤال نعود قيلا الى تاريخ الفكر الإسلامي، لنبين كيف أن المسلمين قد أدركوا منذ فجر الحضارة الإسلامية، أن كل بحث لا بد له من منهج يتبعه الباحثون كي لا يقعوا في الخطأ، و طريقة يرتب بها أفكاره ترتيبا دقيقا، يمكنه من الكشف عن حقيقة مكشوفة، أو يبرهن عن صحة حقيقة معلومة، فحددوا هذه المناهج، وعينوا هذا الطرق، وتمكنوا بذلك من أن يصبغوا أبحاثهم بصبغة عملية، تجعلنا نشهد لهم بدورهم في إرساء قواعد البحث العلمي.
مثلا في ميدان جمع الأحاديث النبوية، اتبع المسلمون طريقة تمكنهم من التمييز بين الحديث الصحيح و الضعيف و المزيف، لوضع حد للفوضى العارمة في ميدان جمع الأحاديث النبوية، وتسرب الأقوال المزيفة التى نسب الى الرسول(ص)، وامتزاج أحاديثه عليه السلام بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين.
رأى الإمام البخاري و الإمام مسلم ان من أهم شروط جمع الأحاديث هو الإسناد، ووضعوا له مقاييس خاصة، أهمها التعديل و التجريح الذي يتطلب معرفة واسعة بتاريخ رجال الحديث و سيرهم و مذاهبهم. نفس المشكلة واجهت المسلمين في ميدان التشريع بعد موت الرسول (ص) (مصدر التشريع)، فعمل علماء أصول الفقه على تحديد منهج يتبعه علماء الفقه عند التشريع، ليتجنبوا الأخطاء، وقد استخلص الإمام محمد بن إدريس الشافعي أصول التشريع في أربعة هي: كتاب الله وكتاب نبيه و الإجماع و القياس. يقول:” ليس لأحد أبدا أن يقول في شيء حل أو حرم إلا من جهة العلم، وجهة العلم الخبر في الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس.” و يكون الاجتهاد هنا قائما على العلم باللغة العربية، لفهم ما تدل عليه النصوص التشريعية فهما صحيحا، لهذا فهو منهج قائم على طلب المعاني من الألفاظ، فيحين وضع الإمام الشاطبي (توفي 790هـ) منهجا قائما على طلب المقصود من الحكم التشريعي. إن أحكام الشريعة الكلية العامة تبنى على مقاصد معينة، على المشرع معرفتها حتى لا تتناقض معها أحكامه التشريعية التى يستنبطها منها. يقول الدكتور سامي علي النشار في كتابه ” مناهج البحث عند مفكري الإسلام” أول مسالة ينبغي توضيحها، هي اعتبار علوم الفصول بالنسبة الى الفقيه، كاعتبار المنطق بالنسبة الى الفلسفة” إذا كان المنطق منهجا يعصم العالم من الوقوع في الخطأ، فأصول الفقه منهج الفقيه يعصمه من الوقوع في الخطأ. كذلك عرف المسلمون في ميدان التاريخ مدرسة الرواية التى يمثلها محمد بن جرير الطبري (ت 310هـ)، يقوم فيها المؤرخ بجمع الأخبار كما نقلها له الراوي، وإذا عرض أخبارا لا يقبلها العقل، فالعهد في ذلك على الراوي وليس على المؤرخ كما يقول، لذلك عمل على ضبط السند و التأكد من نزاهة الرواة، والمدرسة البرهانية التى يمثلها العلامة بن خلدون الذي انتقد بشدة المنهج الروائي، و أرسى التاريخ على منهج جديد قائم على قواعد عامة هي: التزويد بالعلم و المعرفة بطبائع العمران، والتشكيك و الحيطة عند التعميم، و قواعد خاصة تقوم على التأمل و الاستقراء و التحقيق العقلي و التحقيق الحسي و المقارنة و التجربة و النظر في الحوادث في إطارها الزماني.
وجعل ابن خلدون بذلك التاريخ علما يتقصى الأسباب و العلل، ودواعي الوقائع الاجتماعية حتى تكون الأخبار و الحقائق التى تروى واقعية و صادقة. كما كان للمسلمين فضل كبير في إرساء قواعد المنهج التجريبي في العلوم الطبيعية، فقد أقاموا البحث على مبدأ ان لكل ظاهرة سببا، وللكشف عنه لابد من إتباع طريقة تجريبية يستعينون فيها بالرياضيات لضبطه ضبطا دقيقا.
أفصح ابن الهيثم عن طريقته في مقدمة كتابه “المناظر” التى لخصها في خطوات هي: استقراء الموجودات ة تصفح أحوال المبصرات و استنتاج التغيرات الممكنة، ثم التحقق منها للتوصل الى الحق. كذلك فعل جابر بن حيان الذي استخدم النهج الاستقرائي، واستعمل الملاحظة وافترض الفروض و تحقق من صدقها بواسطة التجربة، و قد سماها ” التدريب” في حين سماها بن الهيثم “الاعتبار”. هكذا تجاوز المسلمون المنهج الأرسطي القائم على العقل وحده، و الذي كان سائدا آنذاك، ونزلوا الى الواقع يستفزونه، ليقفوا على علل الظواهر الطبيعية، وقد نقلت أعمالهم و أبحاثهم الى اللغة اللاتينية في أواخر العصر المدرسي، وكان لها أثر كبير في بعث التفكير العلمي الحديث.
لكن إذا كان المسلمون قد استعملوا المنهج التجريبي، وأثرُوا البحث العلمي بأبحاثهم، فإن إرساء قواعد هذا المنهج لا تنسب إليهم، لأن المسلمين لم يكونوا فلاسفة معرفة على غرار ما فعل فرانسيس باكون وجون ستوارت مل، ولم يهتموا بالمعرفة كموضوع بحث، وإنما كانوا علماء طبقوا المنهج التجريبي، وإن كانت هناك بعض العمال التى كانت في هذا الاتجاه، كإخوان الصفا الذين ركزوا على المنهج الاستقرائي، لكن أعمالهم تبقى شذرات متفرقة، فاهتموا بذلك بالجانب التطبيقي مهملين الجانب النظري التأملي، في حين عرفت أوربا حركة فلسفة عامة أخذت المعرفة موضوعا للدراسة، بعد ان أدركوا أن المنهج الأرسطي وحده لا يكفي لدراسة الطبيعة دراسة صحيحة.
يرى سامي على النشار ان العرب كانوا علماء أكثر ما كانوا فلاسفة، وربما يرجع ذلك الى الموقف المعادي الذي شنه ضدها بعض خصومها، يقول:” فإذا كان اليونان فضل في الفلسفة، فقد كان العرب فضل في العلم و المنهج.” إذا كان المسلمون في ميدان التشريع قد انقسموا الى قسمين، علماء أصول الذين يمثلون فلاسفة التشريع الذين اهتموا بالمنهج الصحيح للتشريع، وكيف يجب ان يكون، فكان جانبا نظريا خالصا. وعلماء الفقه الذين اخذوا هذا الجانب النظري، الذي يمثل الطريقة التى يجب عليهم إتباعها عند إصدار الأحكام التشريعية، فإنهم في ميدان البحث العلمي التجريبي في العلوم الطبيعية، لم يعرفوا هذا الجانب النظري، و عن كنا نستثني ابن خلدون الذي نراه في ميدان التاريخ قد نظر إليه نظرف فيلسوف معرفة، همه إرساء قواعد علم التاريخ بعد ان كان التاريخ فنا خالصا. غير ان افتقار التفكير الإسلامي لفلاسفة المعرفة ليس مبررا لإنكار فضلهم في إرساء قواعد البحث العلمي، كما فعل بعض المفكرين الأوربيين.
يقول سامي علي النشار ” نعلم ان أفكار الحسن بن الهيثم عاشت في أوربا في زمان ليس ببعيد عنا، كما نعلم ان أبحاث الطوسي في الرياضيات و تناوله لهندسة إقليدس و مصادراته، بقيت زمنا طويلا، يتناولها علماء أوربا، كما نعلم أيضا أن كتاب ابن سينا في الطب بقي المرجع الأساسي لكليات الطب في أوربا حتى القرن “السابع عشر”. كذلك يؤكد جورج سارتون الفضل الكبير الذي لعبته الحضارة الإسلامية في انبعاث الحضارة الأوربية. ويقول الأستاذ بريفولت:” لم يكن جورج بيكون في الحقيقة إلا واحدا من رسل العلم و منهج الحضارة الإسلامية الى أوربا المسيحية ” و نعلم أن جورج بيكون كان يؤمن بالدراسة العلمية و الوضعية، ودعا إليها في القرن الثالث عشر حيث لم تكن المعرفة العلمية في أوربا تعرف بعد. عن المسلمين كانوا السابقين الى استعمال التجربة للتحقق من صحة الفروض، و لم يترددوا في الجمع بين العقل و الواقع، والتردد الذي عرفه فرانسيس باكون، لينتهي الى إنكار دور العقل، وتعرف أوربا بذلك صراعا فلسفيا بين العقليين و الحسيين.
الخاتمة: هكذا نستنتج أن المسلمين، وإن لم يكونوا فلاسفة معرفة، إلا أنهم كانوا علماء اهتموا بالبحث العلمي، و ساهموا في إرساء قواعده و إنكار هذا الدور إجحاف في حقهم و تزييف للحقيقة العلمية و للتاريخ.
مقالة فلسفية 11: السلوك الطبيعي و السلوك الثقافي أكتب مقالة فلسفية في هذا الموضوع
24 أبريل ,2009
المقدمة: إذا كان السلوك الطبيعي للإنسان سلوكا فطريا، و السلوك الثقافي سلوكا مكتسبا، هل هذا يعني أنهما مختلفان ؟ و هل هذا الاختلاف يفصل بينهما فصلا تاما أم لا، بحيث رغم الاختلاف توجد بينهما علاقة ؟ إذا وجدت ففيم تتمثل ؟
التحليل:
أوجه التشابه: السلوك طبيعيا كان أم ثقافيا هو رد فعل يقوم به الإنسان لمواجهة المنبهات المباشرة و الغير مباشرة الواردة في البيئة فهو بذل يحدد طريقة تعامله مع الطبيعة و علاقته مع غيره من الناس
أوجه الاختلاف: غير أن السلوك الطبيعي ليس كالسلوك الثقافي فالأول فطري يولد الإنسان مزودا به ليتمكن من العيش و البقاء على قيد الحياة و تكون وظيفته بذلك حفظ البقاء مثل غريزة الأكل و النوم و الغريزة الجنسية في حين يكتسب الثاني من المجتمع الذي يعيش فيه ووظيفته إقامة علاقات بينه و بين غيره من الناس و بينه و بين الطبيعة التى يحاول فهمها لتحويلها و التأثير عليها و يكون السلوك الثقافي بذلك نتيجة من نتائج من نتائج استعمال العقل و التفكير و الاستجابة للوسط الذي يعيش فيه مثل الكتابة و الرسم و العلوم و كل المعارف هكذا يكون السلوك الثقافي ميزة خاصة بالإنسان في حين يشاركه الحيوان في السلوك الطبيعي يقول لوسيان مالصون في كتابه “الأطفال المتوحشون” ¬< إن منظومة الحاجات و الوظائف البيولوجية، المتأتية من النمط الجيني عند الولادة تجل الإنسان شبيها بأي كائن حي دون أن تميزه و دون أن تعينه كفرد من النوع البشري > يحدد السلوك الطبيعي طبيعة الإنسان بوصفه كائن حي مما يضفي عليه صفة العمومية بينما يكون السلوك الثقافي الذي يكتسبه من مجتمعه خاصا، يختلف من مجتمع إلى آخر يقول كلود لفي ستروس:” إن كل ما هو عام لدى الإنسان يعود إلى الطبيعة و يتميز بالتلقائية و كل ما هو خاضع لقاعدة يعود إلى الثقافة و يتسم بصفتي النسبية و الخصوصية ” و يقول ميشيل ليريس في كتابه ” العرق و الحضارة “ فالواقع إن الاختلافات بين الثقافات موجودة و من الممكن تحدد في الزمان و المكان فكل منها سماتها الخاصة >.
كذلك فان الثقافة قابلة للتعديل و التغيير إذ يلجأ كل إنسان و كل مجتمع إلى تغيير نماذج حياته و أساليبه و فق ما تقتضيه الظروف عكس الطبيعة التى تتسم بالثبات، وأخيرا إذا كان السلوك الطبيعي ضروريا لبقاء الإنسان ككائن حي فان السلوك الثقافي ليس ضروريا فإذا كان لا يمكننا أن نعيش بدون الأكل و الشرب أو النوم كما لا يمكن للجنس البشري أن يستمر بدون الغريزة الجنسية فانه يمكننا أن نعيش بدون القراءة و الكتابة أو الجلوس على الكرسي أو النوم على السرير
العلاقة: غير أن التمييز بين السلوك الثقافي على أنه سلوك ينتقل عن طريق التربية و بين السلوك الطبيعي على أنه سلوك يورث بيولوجيا لا يتعدى هذا الحد ذلك لأن التداخل الذي يربط بينهما يجعل إمكانية الفصل بينهما أمرا مستحيلا فلا نستطيع أن نقول هنا تنتهي الطبيعة و هنا تبدأ الثقافة و إذا كنا نأكل و هذه طبيعة فينا فإننا نأكل بطريقة معينة و باستعمال أداة معينة و هذه ثقافة و كذلك بالنسبة للمشي و غيره من السلوكات يقول موس ” انه لا توجد كيفية طبيعية في الوقوف ” كما أن الثقافة ليست سوى نتيجة من نتائج الطبيعة الإنسانية ذاتها فلم يتميز الإنسان عن الحيوان و لم ينتقل من نمط حياة بدائية طبيعية و ميله الفطري إلى العيش مع غيره من الناس و إذا استعمل الإنسان الأدوات في بناء حضارته فان أول أداة استعملها و ما زال يستعملها هي يده يقول مارسيل موس “: إن الجسم أول أدوات الإنسان و أكثرها طبيعة ثم بتعبير أدق و دون أن نتكلم عن الأداة فان الموضوع التقني الأول و الأكثر طبيعة لدى الإنسان هو جسمه و تقنيات الجسم تتصدر مجموع التقنيات الأداتية “. و لا ننسى أن نذكر مع لوسيان مالصون:”أهمية دور المحيط في استكمال النضج الغريزي يقول:” إن الأطفال الذين حرموا في سن مبكر جدا من كل اتصال اجتماعي هؤلاء الأطفال الذين نسميهم متوحشين يبقون أثناء وحدتهم في حالة من العوز إلى درجة يبدون معها و كأنهم حيوانات تافهة بل دون مرتبة الحيوانات ” كذلك يرى العالم كلود فيلو ” إن الحياة قبل الولادة هي في بعض أجزائها نتيجة في الربط الأمومي ” فالحالة النفسية للأم و ما تتغذى به يؤثر على جنينها و على حالته النفسية و الصحية بعد الولادة و قد يظن البعض أن ذلك راجع للطبيعة و الوراثة
الخاتمة:هكذا نستنتج إن الاختلاف بين السلوك الطبيعي و السلوك الثقافي لا يعني الفصل بينهما فليس السلوك الثقافي إلا نتيجة من نتائج السلوك الطبيعي الذي يتداخل معه إلى درجة يصعب علينا الفصل بينهما.
مقالة فلسفية 10: الذي يملك القوة يملك الحق، ما رأيك ؟
24 أبريل ,2009
مقدمة: إذا كانت العدالة الاجتماعية معناها أن يأخذ كل ذي حق حقه، فعلى أي أساس يتم تحديد الحقوق و توزيعها ؟
يرى ستينار أن الحقوق نوزع على أساس القوة السؤال هل يمكن فعلا أن تكون القوة معيارا لقياس الحق ؟
لكن القوة التي نعني بها العنف مقياس غير ثابت و غير أخلاقي، كيف يمكن للقوة كوسيلة غير أخلاقية أن تساهم في إقامة العدالة و توزيع الحقوق ؟
العرض:منذ أن فكر الإنسان في العيش مع غيره من الأفراد و بناء مجتمع و هو يدرك أن المجتمع لا يستقيم بدون قانون يحدد حقوق وواجبات كل واحد، غير أن الإنسان واجه مشكلة توزيع الحقوق و كان عليه أن يحدد المقياس الذي يقيس به الشيء لكي يعرف هل هو حق أم لا ؟
يعبر ماكس ستينار في قوله ” إن الحق ما نستطيع أن نحصل عليه بالقوة و تكون القوة معيارا لقياسه، فما نستطيع أن نتحصل عليه بالقوة هو حق لنا و ما لا نستطيع ليس حقا، إن الناس متفاوتون في القوة العضلية و الفكرية فمنهم القوي و منهم الضعيف و من حق الأقوياء أخذ الحقوق ما دامت الطبيعة ميزتهم عن الضعفاء و هو المنطق الذي يعمل به الإنسان الذي يحب السيطرة و تسيطر عليه غريزة الحب و الملكية فإذا شعر بقوته أراد أن يستولي على كل شيء، واعتبره حقا له ما دام هو القوي، موقف دعمه الكثيرون من الفلاسفة مثل كهوبز الذي يرى أن السيد يمارس سلطته المطلقة بالقوة و هو القوى الذي من حقه أن يأخذ كل الحقوق و إذا حدث أن تغلب عليه أحد الرعية أصبح هو الحاكم القوي الذي يحق له الاستيلاء على كل الحقوق، أما كارل ماركس فيرى أن الأقوياء استولوا على الأراضي و سنوا القوانين التي تحمي ممتلكاتهم و أنفسهم هذا الحق الذي أقيم على القوة عند ماركس ليس عدلا، ولكن القوة تبقى عنده وسيلة لبناء العدالة في الحكم الاشتراكي، فطبقة البروليتاريا لن تستطيع أن تنتزع حقها من الطبقة البرجوازية التي أخذها بالقوة، إلا بالقوة، وتكون بذلك دولة البروليتاريا دكتاتورية توزع الحقوق على العمال كل حسب حاجته و تقيم بذلك العدالة الاجتماعية هدفها الذي قامت من أجله، ويرى هيجل من جهته أن الأمة التي تصل إلى الفكرة المطلقة الخالية من كل السلبيات تكون الأمة القوية التي تمتلك جميع الحقوق حتى حق السيطرة و الهيمنة على العالم.
يدعو نيتزيش إلى إرادة القوة مقابل خذلان الضعفاء فمجد القوة و جعلها أساس لتوزيع الحقوق و تطبيق العدالة الاجتماعية إذا كان الله خلق الضعفاء و الأقوياء أليس لكي يحكم الأقوياء الضعفاء ؟ فيتمتعون بحقوق ليس من حق الضعفاء المطالبة بها ؟
منطقي جدا أن لا نسوى بين الأقوياء و الضعفاء، فالأقوياء (القوة العضلية و الفكرية) سلالة نقية خلقت من أجل أن تسود العالم و إذا استمعنا إلى داروين صاحب نظرية التطور، فيرى أن الطبيعة نفسها تقوم على مبدأ القوة ففي الصراع من أجل البقاء، الطبيعة تنتخب الأقوياء و يكون بذلك للقوى حق البقاء على حساب الضعيف الذي يجب أن يموت لا أحد يستطيع أن ينكر أن الحقوق توزع حسب القوة بين الأفراد، على الأقل هذا ما يؤكده تاريخ البشرية و كل دعوة إلى غير ذلك يبقى كلاما فلسفيا بعيدا عن الواقع.
إذا لاحظنا جيدا هذه الحجج التي تقيم الحق نجدها لا تخلو من تناقضات كثيرة، فما هو أخلاقي لا بد أن يبنى على أساس أخلاقي كما أن الغاية الأخلاقية يجب أن تحقق بوسيلة أخلاقية و الحق كغاية أخلاقية لا يمكن أن يبنى على القوة الوسيلة اللاأخلاقية.
إن القوة تعني العنف و السيطرة و الاستغلال و كلها مفاهيم لا أخلاقية و الأساس اللاأخلاقية لا يعطي سوى نتيجة لا أخلاقية كذلك قياس الحق بالقوة معيار غير ثابت يفقد الحق معناه الحقيقي فكيف لي أن أعرف ما هو حقي، وما ليس حقي اليوم لأنني قوي، لن يكون حقي غدا لما أصبح فقيرا ؟ كما أن الضعفاء في المجتمع الذي يقيم الحق على القوة لن يكون لهم أي حق، الأمر الذي لا يقبله العقل و لا المنطق و لا الأخلاق نتساءل بم يشعر الضعيف في المجتمع الذي يقيس الحق على القوة و يقيم العدالة على أساسها ؟
إذا كانت العدالة قيمة أخلاقية غايتها تحقيق الاستقرار فان العالة التي تريد أصحاب القوة بناءها لا تعرف معنى الاستقرار و القوى الذي يستولي على الحقوق لا ينام قرير العين و إنما ينام و هو خائف من بطش الضعفاء. إن الحق عند كانط كقاعدة أخلاقية سابقة لكل تجربة، أساسه العقل الذي يتعرف عليه بصورة قبلية و يتنزه من كل قوة مادية، انه ثابت لا يتغير، فما هو حق الإنسان اليوم لا بد أن يبقى دائما حقه، مهما تغيرت حالته المادية و الاجتماعية و ما هو حق لشخص لا بد أن يكون حقا لكل الأشخاص مما يضفي على الحق صبغة الكلية و العالمية التي يريدها كانط، حق الإنسان لأنه إنسان و ليس لأنه قوي.
إن الحق بالمعنى الحقيقي لا يحتاج إلى قوة مادية لكي يقوم عليها فما لا يستطيع الإنسان أن يطالب به إلا إذا كان قويا فهو ليس حقه، لأن للحق قوة معنوية تغنيه عن كل قوة مادية كما يقول لايبنز، الحق يكسب صاحبه قوة معنوية و أخلاقية لا نجدها عند صاحب القوة، لنعود بذلك إلى ماكس ستينار و نقول له ليس الذي يملك القوة يملك الحق و إنما بالعكس من يملك الحق يملك القوة.
غير أن هذه القوة المعنوية التي يملكها صاحب الحق قد لا تصمد كثيرا أمام القوة المادية التي قد تمارس ضده فإذا ترك الحق وحده دون أن نسنده إلى قوة مادية تحميه، يجعله يبدوا ناقصا لوجود الأشرار كما يقول باسكال فتكون قوة في خدمة القانون الذي يوزع الحقوق حسب الكفاءة التي تحددها قدرات الشخص و مجهوداته، وليس القانون في خدمة القوة.
الخاتمة:و هكذا نستنتج أن قيام الحق على القوة يفقده معناه الروحي و الأخلاقي و إن كان الحق يحتاج أحيانا إلى القوة لكي تحميه، القوة ليست مقياسا لتوزيع الحقوق و إنما وسيلة لحمايتها.
مقالة فلسفية 09: إذا كانت كل فكرة تحمل في طياتها أسباب فنائها الديمقراطية كفكرة، هل تنطبق عليها هذه الفطرة؟
24 أبريل ,2009
مقدمة:إذا كانت الديمقراطية بصفتها نظاما سياسيا تقوم على سيادة الشعب و المساواة و العدل و الحرية الفردية و الكرامة الإنسانية، التى جعلت كل شعوب العالم اليوم تتطلع الى تطبيقه، هل هذا يعني ان الديمقراطية هي النظام الأمثل ؟
لكن إذا كانت الديمقراطية فكرة، وإذا كان هيجل يقول أن لكل فكرة سلبيات، هل هذا يعني أن الديمقراطية التى أنتجها الإنسان فيها سلبيات و مساوئ، و إذا كان الأمر كذلك، هل هذه السلبيات تعني فساد النظام الديمقراطي و فنائه ؟
التحليل:الديمقراطية كلمة يونانية الأصل تتكون من ديموس و معناه الشعب و كراتيا ومعناه السيادة، وبمفهومها السياسي، هو نظام يتولى الحكم فيه الشعب بكامله، و ليس فردا واحدا، أو طبقة واحدة تخضع لها بقية أفراد الشعب، لقيت الديمقراطية نجاحا كبيرا، فتغنت بها الشعوب و طالبت بحقها في السيادة، بعد قرون طويلة ساد فيها النظام الفردي المطلق، حيث عان الناس من العبودية و القهر، و قاس الظلم و الحرمان.
ترجع جذور الديمقراطية الى العهد اليوناني القديم، وان كانت ديمقراطية أرستقراطية لا تخص سوى المواطنين الأحرار، دون العبيد الذين يمثلون أغلبية الشعب. بينما لا تستثنى الديمقراطية الحديثة فردا واحدا من أفراد الشعب الذي يمارس السلطة فيحكم بذلك فيحكم بذلك نفسه.
و إذا كان الشعب لا يستطيع أن يمارس السلطة بكامله، فهو سينتخب نوابا ينوبون عنه في مجلس البرلمان الذي يتمتع بحق الممارسة التشريعية، بينما تكتفي الحكومة بالسلطة التنفيذية، و تكون بذلك سلكة في خدمة الشعب الذي يعيد انتخاب نوابه كل مدة زمنية معينة. يرى روسو أن النظام الديمقراطي هو أفضل نظام سياسي، لأنه يعبر عن إرادة الشعب، و الشعب لا يمكن أن يؤدي نفسه. كذلك أشاد جون ستوارت مل بالنظام الديمقراطي، ويرى أنه النظام الذي يمكنه من تحقيق المنفعة العامة التى تقوم على حق التعبير بالرأي، المتمثل في حق المعارضة، وحرية الصحافة، و المشاركة في الحكم على أساس الكلمة الأغلبية، وحكم الأغلبية يمنع تحكم الأنانية. بالإضافة الى مبدأ سيادة الشعب، تقوم الديمقراطية على مبدأ المساواة و العدل.
فالأفراد كلهم متساوون أمام القانون الذي يكون فوق الجميع، يحدد الحقوق و الواجبات بالعدل حسب الاستحقاق، الذي يقاس بالمجهودات المبذولة و القدرات التى يحملها الفرد، و ليس على أساس السلالة أو العرق، ليس الحكم في النظام الديمقراطي متوقفا على طبقة معينة، كما نراه في النظام الفردي، فكل شخص لديه القدرات اللازمة، يمكنه أن يمارس السياسة، ويرشح نفسه للحكم، مهما كانت طبقته الاجتماعية. إن الديمقراطية تقوم على أساس احترام الحقوق الطبيعية للإنسان، و هي حقوق فطرية يملكها الإنسان بمجرد انه إنسان. يرى إليكسي توكفيل في كتابه ” الديمقراطية في أمريكا ” أن الديمقراطية أساس للنهضة و الرضا، فقد حافظت على منافع الأغلبية، ونمت مواهب الناس، و عملت على تكافؤ الفرص، فأخرجت المجتمع من التخلف، و حققت التقدم. كذلك تقوم الديمقراطية على حق التعبير عن الرأي، وحق الحرية اللذين يشعران المواطن بالمسؤولية. وشعور المواطن بالمسؤولية، لكن أساسي من أركان الحكم السليم عند مل.
من الناحية الاجتماعية و الاقتصادية، يرى هنري ميشال ان الديمقراطية تساهم في تطور الإنسان بضمانها لكل فرد حدا معينا من الحرية الاقتصادية، و نصيبا عادلا من منتوج عمله، و جوا ثقافيا و أخلاقيا يمكنه من بلوغ قمة الإنسانية.
إن المحاسن المتعددة للنظام الديمقراطي تجعل به أفضل نظام أنتجه عقل الإنسان، فتغنت به الشعوب، و تطلعت إليه، و علقت عليه آمالها في عيشة كريمة ابتداءا من الثورة الفرنسية سنة 1789 و إعلانها الصريح لحقوق الإنسان.
غير أن تطبيق الديمقراطية في الواقع خيب آمال الكثير من الناس فيها، و أدركوا أنها ليست الفطرة المطلقة الخالية من السلبيات، ربما سلبياتها اقل من سلبيات النظام الفردي المطلق، إلا أنه لا يمكن إغفالها أو إنكارها، و إلا انقلبت ضدها، و أدت الى فشلها، كنظام سياسي و اجتماعي.
عيوب الديمقراطية و المخاطر التى يمكن أن تنزلق إليها، أشار إليها الديمقراطيون أنفسهم، أمثال جون ستوارت مل و توكفيل و مونتسكيو. يعيب جون ستوارت مل على الديمقراطية إفلات الأمر من يدها أحيانا، فقيامها على حق حرية الرأي و التعبير، و المبالغة في ممارسته من طرف الأفراد، قد يجعل الدولة تفقد هيبتها، فتعم الفوضى و عدم الاستقرار. لذلك على الدولة التى تحد من الحرية الفردية في التعبير حتى لا تصبح ذريعة للتدخل في الحياة الخاصة للأفراد فتضر بهم أكثر مما تنفعهم، بقانون عادل يتفق عليه الجميع كما يجب على الدولة أن تحافظ على هيبتها، بصفتها أعلى مؤسسة، ويجب على الدستور أن يمكن الرئيس من الاحتفاظ بصلاحيات، تمكنه من التدخل لحسم النزاع، إذا ما غاب التفاهم بين الأفراد ليس خدمة لمصلحة خاصة، وإنما حماية للديمقراطية نفسها. و لن نعارض الفيلسوف الألماني هيجل، حين يؤكد عامل الوعي كشرط النجاح للنظام الديمقراطي.
إن الديمقراطية ليست شعارا نتباهى به بل ثقافة أولا و قبل كل شيء، تمكن الشعب من فهم أسسها و مبادئها على حقيقتها، ثم ممارستها، لأن الفهم الذي لا تليه ممارسة لا يخدم الديمقراطية و لا يعمل على نجاحها. الوعي يتطلب تربية و خبرة، وربما نجاح النظام الديمقراطي عند الدول المتقدمة، و فشله عند الدول المتخلفة يدلان على الخبرة و التجربة الطويلة التى أكسبتها الأولى في هذا الميدان، و غياب التجربة، أو قصر عمرها عند الثانية. التربية عند مونتسكيو تتمثل في غرس الفضيلة السياسية في صدور الأطفال، المتمثلة في حب الوطن و احترام القانون.
إذا كانت الديمقراطية تمنح الأفراد حق التعبير عن الرأي و ممارسة السياسة ن يجب أن تعلمهم حب الوطن و احترام قوانينه، الردع الوحيد الذي يحميها من الانزلاق نحو صراعات تفوت المصلحة الخاصة قبل العامة، و حب النفس قبل الوطن.
بالنسبة لتوكفيل نجاح الديمقراطية أو فشلها متعلق بالمواطنين، إن الديمقراطية عنده لا تقاس بما تضمه من قيم، و ما تشيده من قواعد، وإنما تقاس بالروح التى تطبق بها قواعدها، والإخلاص الذي تراعي به مبادئها، الأمر الذي لا نتفق معه. قيام الديمقراطية على مبدأ رجل واحد = صوت واحد، يجعلنا نتساءل: كيف يمكن أن نسوى بين الأمي، الذي يغيب عنه الكثير من الأمور، والمثقف ذي النظر البعيد ؟ ألا تكون هذه المساواة في الأصوات الانتخابية، و حق ممارسة السلطة، يجعل من الديمقراطية النظام الذي يفسح المجال لأشخاص غير مؤهلين للوصول الى الحكم ؟.
التاريخ مازال يشهد أن هتلر قد وصل الى الحكم عن طريق الانتخابات، كما وصل أريال شارون الى الحكم عن طريق الانتخابات أيضا، وهو سفاح مجازر صبرا و شتيلا. أيعني هذا أن الديمقراطية جنون كما يقول نيتشه ؟ كذلك تقوم الديمقراطية على رأي الأغلبية الذي قد يأخذ منعطفا خطيرا على الديمقراطية نفسها، بهضمها لحق الأقلية في التعبير عن الرأي، و ممارسة حريتها. كيف يمكن التوفيق بين حكم الأغلبية و احترام الحريات الفردية ؟
و كيف يمكن أن نتجنب تحول الديمقراطية الى حكم تستبد فيه الأغلبية على حساب الأقلية ؟
إذا كانت الديمقراطية تضحي بالأقلية من أجل الأغلبية، هل هذا يعني أنها تدوس حقوق الأفراد (الأقلية)؟ على رغم من كل المحاولات لإيجاد حلول تمكن الأقلية من ممارسة حقوقها، تبقى هذه الإشكالية أعوص مشكلة تواجهها الديمقراطية، تجعل منها الفكرة التى تحمل سلبيات، و تبعدها عن الكمال، الذي أراده لها أصحابها.
المهم ان نشير الى ان الديمقراطيين أنفسهم يشعرون بعيوب الديمقراطية، وأبحاث كثيرة في هذا الاتجاه، بدأت تظهر تركز على ضرورة تطور الديمقراطية.
الخاتمة:و هكذا نستنتج أن الديمقراطية، ليست نظاما مثاليا خاليا من العيوب، بل هي نظام أبدعه عقل الإنسان الناقص، فيه من السلبيات و المخاطر، ما يجعل منه نظاما جنونيا إذا لم يسرع الإنسان الى إيجاد الحلول المناسبة له، غير ان فناء الديمقراطية كفكرة، لا يعني انتقال الفكر الى نقيضها، الذي هو الحكم الفردي، الذي تتجاوزه الأيام و الأبحاث، و لكن فناء الديمقراطية بمبادئها القديمة، ليفسح المجال لديمقراطية جديدة تقوم على مبدأ جديدة، أو نظام جديد يتعدى عيوبها
مقالة فلسفية 08: الدولة و الأمة – أكتب مقالة فلسفية في هذا الموضوع
24 أبريل ,2009
المقدمة:لا تقوم الدولة و الأمة إلا إذا توفر عامل الإنسان ليس كفرد و إنما كجماعة من الأفراد، ولكن إذا كانت العلاقة التي تربط بين الأفراد في الدولة قانونية، وإذا كانت العلاقة التي تربط بين الأفراد في الأمة روحية، هل هذا يعني أن الدولة و الأمة مفهومان مختلفان ؟
و هل هذا الاختلاف يفصل بينهما أم لا ؟ إذا كان لا يفصل فما هي العلاقة الموجودة بين الدولة و الأمة ؟
العرض: كون الإنسان عاجزا على العيش بمفرده جعله يتكتل بغيره من الناس ليؤلف أشكالا مختلفة من التجمعات، أهمها تجمعه على شكل دول و أمم، إذن الدولة مجموعة من الأفراد الذين يكونون الدولة و الأمة، كما ليس هناك حد أقصى، غير أننا يجب ألا نفهم من ذلك أنه كلما كان هناك أفراد كلما أنشأوا بالضرورة دولة أو أمة بل يجب أن تكون هناك علاقات تربط بين الأفراد و تقرب بعضهم بالبعض و إن كانت العلاقات التي تربط أفراد الأمة غير العلاقات التي تربط أفراد الدولة.
وان العلاقات التي تربط أفراد الأمة علاقات روحية معنوية يستمدونها من المقومات الأساسية التي تقوم عليها الأمة، كاللغة و الدين و التقاليد و التاريخ و المصير المشترك و لا يعني هذا أن غياب واحد من هذه المقومات يؤدي إلى غياب الأمة.
يمكن لأمة أن تقوم على مقوم دون آخر، مثل الأمة الإسلامية التي قامت على مقوم الدين، والأمتان العربية و الألمانية التين قامتا على مقوم اللغة و الأمة الأوربية التي تقوم اليوم على مقوم المصير المشترك.التحام أفراد الأمة حول مقوم واحد يولد عندهم الشعور بالمحبة و التعاطف فيميلون إلى الرغبة في العيش معا و مواجهة المستقبل جبهة واحدة، و إن اختلفت القوانين الأساسية و الاجتماعية و الاقتصادية.
يقول رينان:” إن الرضا الحالي، و الرغبة في العيش معا هي الإرادة في الاستمرار، و إبراز قيمة الميراث الذي ورثناه.” بينما تكون العلاقات التي تربط الأفراد في الدولة علاقات قانونية مادية، يستمدونها من القوانين الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية الواحدة. لذلك فالأمة يمكن أن تضم دولا عديدة كالأمة الإسلامية، والدولة يمكن أن تضم أمم عديدة كسويسرا.
إن الدولة بخلاف الأمة تحتاج لكي تقوم، إلى وجود قانون و سلطة تسهل على تطبيقه، فهي بذلك لا تنشأ إلا إذا اخذ الأفراد القرار و عزموا على بنائها. هكذا أخذ قادة الثورة الجزائرية في 19 سبتمبر 1958 بالقاهرة، قرار إنشاء الدولة الجزائرية المؤقتة، كذلك أعلن الفلسطينيون قيام الدولة الفلسطينية في 13 نوفمبر 1988 في الجزائر. بينما تتكون الأمة عفويا و تلقائيا عبر التاريخ و الأيام، وما يمر به الأفراد من محن و أحزان و انتصارات و أفراح ن وكما يقول رينان “الأمة نهاية ماضي طويل”
غير أننا إذا نظرنا في الاختلاف الذي يميز بين الدولة و الأمة، نجده اختلافا ظاهريا لا يفصل بينهما. فالأمة بالنسبة إلى الدولة هي الثوب الذي يقيها من العواصف و الرياح التي تهب عليها فتحميها من التمزق، خاصة حينما تكون القوانين ضعيفة و لا تؤدي دورها في لم شمل الأفراد و توحيدهم، أو حين لا يتفق الأفراد حول قانون واحد، فتكثر الخلافات.
فالكثير من الدول دخلت في حرب أهلية دامت مدة طويلة كلبنان مثلا، وذلك بسبب غياب هذا الشعور الروحي العاطفي الذي يربط بين أفراد الشعب، فانقسموا إلى مسلمين و مسيحيين. و في المقابل، ما أنقذ بلادنا الجزائر من حرب أهلية مدمرة، هو شعور الجزائريين أنهم شعب واحد، له تاريخ واحد، دين واحد، أصل واحد، مستقبل واحد بالرغم من اختلاف الرؤى السياسية.
كذلك فان للقوانين السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية التي تنتهجها الدول و السلطات دورا مهما في تقوية العلاقات الروحية بين أفراد الأمة الواحدة، إذا كان بينها اتفاق، و في إضعافها إذا كثر الخلاف بينها، الأمر الذي جعل فكرة توحيد قوانين الدول التي تكون أمة واحدة تظهر إلى الوجود للحفاظ على استمرار الأمة و بقائها.
فوحد الأوربيين قانون اقتصادي في 1957 الذي عززوه مؤخرا بتوحيد العملة، و يحاولون توحيد قانونهم السياسي ببرلمان أوربي يشمل كل أعضاء السوق الأوربية المشتركة، الأمر الذي لم تستطع الدول العربية الوصول إليه، بالرغم من جهود الجامعة العربية، و هذا يشكل طبعا خطرا على الروابط العاطفية و الأخوية التي تربط بين شعوب الأمة العربية. و ما حدث بين العراق و الكويت مثال حي على ذلك.
إن الدولة تحتاج إلى الروابط الروحية لتزيد روابطها القانونية متانة، مثلما تحتاج الأمة إلى الروابط القانونية ليستمر و جودها و يقوى. ومن الأفضل أن تكون الدولة امة واحدة لتزيد متانتها ن و الأمة دولة واحدة ليزيد تعاطف أفرادها، لان الأمة هي روح الشعب و الدولة هي جسده، و العوامل الروحية للحياة الاجتماعية لا يمكن أن تنفصل عن عواملها المادية.
الخاتمة:و أخيرا إذا كانت الأمة غير الدولة، والدولة غير الأمة فان هذا الاختلاف يبقى اختلافا ظاهريا لا يفصل بينهما، فكل واحد تكمل الأخرى ن و تكون بمثابة ركيزة لوجودها، فالدولة تقوي روابط الأمة، فتكون بمثابة جسدها، والأمة تعمل على استقرار الدولة، فتكون بمثابة روحها.
مقالة فلسفية 07: يرى بيار جاني:” أن الانفعال سلوك مشوش و مخرب تظهر آثاره التشويشية في الجسم و النفس معا “ما رأيك
23 أبريل ,2009
المقدمة: ينتقل الإنسان من حالة الهدوء النفسي و الجسمي الى حالة الاضطراب التى نسميها انفعال، والذي يأتينا عادة بصورة مفاجئة، إذا كان الانفعال سلوكا مضطربا يعم النفس و الجسم معا. وإذا كان الاضطراب في حد ذاته مفهوما سلبي، هل هذا يعني أن الانفعال سلوك سلبي ؟ و في هذه الحالة كيف نفسر إبداع الإنسان حين يشعر بحالة انفعال حادة. هل بالعكس من ذلك الانفعال سلوكا ايجابيا إذا عرفنا مرة أخرى أن الشخص المنفعل قد يقوم بأعمال يندم عليها بعد ذلك ؟
المشكل المطروح: هل الانفعال سلوك سلبي أم ايجابي؟
التحليل: القضية: الانفعال سلوك سلبي:
من أشهر النظريات التى تبحث في الانفعال ووظيفته نظرية بيار جاني التى يرى فيها أن الانفعال يؤدي وظيفة سلبية في حياة الإنسان فهو عنده سلوك مشوش و مخرب تظهر آثاره التشويشية في النفس و الجسم معا. فمن الناحية النفسية يضطرب التفكير و تضعف الإرادة، فيصبح الإنسان، شخص مراقبة أقواله وأفعاله، و كثيرا ما نصرح بذلك عندما يزول الانفعال:” إننا لم نكن نعي ما كنا نقوله أو نفعله.” أثناءها تغيب أساليب التربية و اللياقة التى اكتسبها الإنسان، ومظاهر الأخلاق الراقية، لتحل محلها أساليب حيوانية بدائية. و يذكرنا هذا بإقريسبوس الذي يرى أن الإنسان الفاضل لا ينفعل لأن انفعالاته تهدد أخلاقه. تظهر سلبية الانفعال عند الهيجان حيث يصل الى درجته القصوى، فيفقد المرء كل قدرة في التحكم في سلوكه، و تظهر عليه الحركات البدائية و الطفولية. يقول جاني ” فهو يعود بصاحبه الى الحركات الآلية الفطرية و المكتسبة، و يسجنه الاندفاع الحيواني حيث لا يعرف سوى الضرب و الشتم و الصراخ ” كما أن الانفعال عنده تعبير عن الفشل. فالمرء ينفعل لأنه عاجز عن التكيف مع الأوضاع. فالتلميذ مثلا ينفعل أثناء الامتحان لما يشعر أن ما يحمله من معلومات لا تكفيه للإجابة عن السؤال المطروح، أو لا تمكنه منها. يقول جاني ” إن الهيجان اضطراب في السلوك و تعبير عن الفشل ة اختلال في توازن الفرد مع محيطه ” أما من الناحية الجسمية فالانفعال يحدث تغييرات فيزيولوجية قد تضر بصحة البدن كازدياد دقات القلب التى تعرض صاحبها إذا بلغت درجتها القصوى للسكتة القلبية عند الانفعال الشديد، كذلك قد يتعرض الشخص الذي يعاني من ارتفاع في الضغط الدموي الى حادث في الدماغ قد يبقيه مشلولا بقية حياته، كما يحدث الانفعال تغيرات على نشاط المعدة فتزيد درجة الحموضة فيها، مما يعرضها للقرحة.
هذا التغيير الذي يصيب وظائف الأعضاء الداخلية ينعكس على المظاهر الخارجية مثل اصفرار الوجه أو احمرار و ارتعاش اليدين أو فشل القدمين. مما يضعف المقاومة و النشاط أو بالعكس يزيد منها عن طريق تنشيط العضلات، كما نرى عند الهجوم و الاعتداء. أما عند ” لرقي دي بانسيل ” فان الردود الانفعالية كثيرا ما تكون ” عقيمة بشكل آلي.” لأن المثير الذي يأتينا من الخارج بدل أن يحدث فينا ردا فعليا متكيفا، يبدد قوانا، فتظهر أفعالنا بمظهر ” غريزي غير موفق”
النقد: إذا قلنا أن الانفعال سلوك منحرف ذو نتائج سلبية في الحياة النفسية و الفيزيولوجية للإنسان، وجب التخلص منه، غير أن الإنسان لا يمكنه أن يعيش بدون الانفعال، فالانفعال تعبير عن الإحساس باللذة أو الألم، و هما إحساسان أوليان يولد بهما الإنسان، يربطانه بالعالم الداخلي و الخارجي. فالإنسان كائن حي لأنه ينفعل.
القضية النقيضة: الانفعال سلوك ايجابي: ينظر أفلاطون الى الحب الذي هو شكل من أشكال الانفعال نظرة ايجابية. فهو بالنسبة إليه السلم الذي يصعد به الإنسان من عالم المحسوسات الى عالم المثل و الجمال، كما هو في حد ذاته. أما الطريق الصحيح للحب عنده أن ننتقل من حب الجمال الحسي، الى حب الجمال ما فوق الطبيعة. كذلك يرجع روسو فضل ظهور اللغات الأولى الى الانفعالات غير ان أشهر ما قيل عن الانفعال كسلوك ايجابي. هذه اللغات التى تعتبر الانحراف الأول الذي أخذه الإنسان في مسار حياته لينفصل عن الحيوان و يتميز عنه. ويكشف لنا روسو بذلك عن الدور الإيجابي الذي لعبه الانفعال في حياة الإنسان، نظرية برغسون التى يرى فيها أن ” الهيجان قوة خلاقة”، تنشط الفكر و تبعث الحماس في النفس، فيتولد الإلهام و الإبداع.
إن الإنسان عنده لا يبدع في حالة جمود الدم، وإنما عندما يجتاحه تيار نفسي ديناميكي تتصادم فيه الأفكار و تتضارب. كذلك رأى برادين أن الهيجان رغم كونه اضطرابا فهو ينشط الذكاء و التخيل، مما يضفي عليه مكانة مهمة في الحياة الفكرية للإنسان.
أما داروين صاحب نظرية تطور الكائنات التى تقول بالانتخاب الطبيعي و البقاء للأقوى فيرى أن الهيجان عمل على فوز الكثير من الكائنات في صراعها من أجل البقاء. فمثلا الخوف الشديد يؤدي الى اتساع العينين، الأمر الذي يمكن من رؤية جيدة، و الكشف عن الأسنان عند الغضب دليل على استعداد للعض، مما يخوف العدو. في حين ركز كانون على التغيرات الفيزيولوجية للوظائف الباطنية، ودورها في بقاء الكائن الحي. إن زيادة مادة الأدرينالين في الدم مثلا و زيادة مقدار السكر ينشط العضلات لمقاومة التعب، و يكسب الجسم المناعة.أما فالون فينظر الى الدور الاجتماعي للانفعال الذي يراه عاملا مهما في تقوية الروابط الاجتماعية و تجديدها. فالشخص الذي يفقد عزيزا عليه ينفعل لمصابه جيرانه و أقاربه، فيحس بالدفء الاجتماعي فيقترب منهم و يقتربون منه. كذلك تلعب اللغة الانفعالية التى يستعملها السياسي عندما يخطب دورا كبيرا في زرع الحماس و الروح الوطنية لدى الأفراد.
النقد: إن الانفعال كاضطراب يجعل المرء يميل الى الاندفاع و العنف. ومواجهة مواقف الحياة بالاندفاع و العنف لا يعبر عن السلوك الإنساني الراقي، و إنما عن السلوك الحيواني الغريزي الموجود في الإنسان، العامل المشترك بينه و بين الحيوان.إذا أراد الإنسان الترفع عن المستوى الحيواني عليه أن يواجه الحياة بالحكمة و التعقل و ليس بالاندفاع و التوتر.
التركيب: لقد ركز جاني على الجوانب السلبية للانفعال في حين ركز برغسون على جوانبه الايجابية، غير أن الانفعال كسلوك ليس كله منحرفا و ليس كله متكيفا، إذ قد يكون منحرفا حينا و متكيفا حينا آخر، باختلاف درجة المثير و اختلاف الأشخاص المستجابين للمواقف و المثيرات. وإذا كان المثير بسيطا أو متوقعا و استعد له الشخص نفسيا، أو مألوفا بحيث اكتسب من القدرات ما يمكنه من مواجهته، كانت الانفعالات ضعيفة أو هادئة و استطاع المرء التحكم فيها. وإذا كان المثير شديدا أو مفاجئا غير متوقع أو غير مألوف، كانت الانفعالات عنيفة و حادة و صعب على المرء التحكم فيها و السيطرة عليها. و هذا ما نسميه هيجانا. و قد يصبح الانفعال الحاد مع مرور الوقت و تعود الجسم و النفس عليه، انفعالا هادئا يمكن التحكم فيه، فيتحول من سلوك منحرف الى سلوك متكيف. كذلك تلعب طريقة الشخص في الاستجابة دورا كبيرا في تحديد الردود الانفعالية، فكل شخص يستجيب حسب أساليب التربية و القيم الأخلاقية التى تلقاها، فالمسلم الصائم المتشبع بالإيمان و الذي يعرف معنى الصيام و أهدافه، إذا شتمه شخص قال:”الهم إني صائم”. بترويض النفس و تدريبها على القيم الأخلاقية السامية، وعلى الصبر و تحمل الشدائد، يمكن للإنسان التحكم في انفعالاته، وتوجيهها الوجهة الحسنة. إن الانفعال سلوك طبيعي في الإنسان و الأخلاق ليست إطفاء للانفعالات، و إلا تكون مقابلة للطبيعة و الحياة. هل نستطيع أن نتصور إنسانا لا يغضب و لا يفرح و لا يحزن و لا يتألم…؟ طبعا لا، إلا إذا فقد الحياة و انتقل الى عدا الأموات. ولكن بالأخلاق نتحكم في الانفعالات و بالتربية نكسب عادات حسنة للتعبير عنها، لكي لا ننزل الى المستوى الحيواني الأدنى. وقد عبر نيتشه عن هذا الموقف حين رأى أن الكنيسة قد أخطأت لما أرادت اقتراع الانفعالات من نفسية الإنسان لما تراه من ضرر، و عملها عنده هذا هو المضر، انه مضر بالحياة جميعها. و رغبتها في اقتلاع جذور الانفعالات، هي اقتلاع لجذور الحياة. إن الإنسان لا يقتلع عينه لأنها أوقعت به كما يقول.
النتيجة: و هكذا نستنتج أننا لا ننفي الجانب السلبي في الانفعال و لكن بالتربية الحسنة و الإرادة القوية يمكن أن نقلل منه.
مقالة فلسفية 06: الفكر و اللغة- أكتب مقالة فلسفية في هذا الموضوع
23 أبريل ,2009
المقدمة: إذا كان الفكر هو عمل العقل الذي يحدث داخل النفس، وإذا كانت اللغة أصواتا و رموزا وخارجية يتلفظ بها الإنسان، ليتصل بغيره من الناس، هل هذا يعني أن الفكر و اللغة شيئان مختلفان ؟ وهل هذا الاختلاف يفصل بينهما أم لا ؟ إذا كان لا يفصل ما هي العلاقة الموجودة بين الفكر و اللغة ؟
التحليل: الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يفكر و يتكلم، لقد وهبه الله القدرة على تكوين المعاني و الأفكار، واستعمال الألفاظ و الرموز، ليتصل بغيره من الناس، فالفكر و اللغة يمثلان جوهره باعتباره حيوانا عاقلا و ناطقا. مشكلة علاقة الفكر باللغة و الصلة الموجودة بينهما شدة انتباه الإنسان منذ القدم، فالفكر و اللغة، اللذان يمثلان مظهرين مختلفين للذكاء الإنساني، يعتبرهما الكثير من العلماء و الفلاسفة ملكتين منفصلتين، و دليلهم أن الفكر يمثل العالم الداخلي للإنسان، بينما تأخذ اللغة طابعا خارجيا، وان الفكر معان تحشد في الذهن الذي يكونها، و هو بذلك مستقل عن الجسم، بينما اللغة التي هي رموز يتوقف وجودها على الجسم، فالحنجرة و اللسان و الحبال الصوتية، وحركات العينين و اليدين، وتغيرات الوجه كلها، تساعد الإنسان على الاتصال بغيره من الناس.
كذلك لا يستقل الآخرون ما يصدر منها من ألفاظ أو رموز أو حركات، إلا إذا قامت أعضاء الحس بدورها كما ينبغي، فالأعمى مثلا لا يرى الحركات و الأصم لا يسجل الأصوات، مما يجعل اللغة عندهم عاجزة عن القيام بوظيفة كاملة. ميز برغسون بين اللغة و الفكر، وحجته أن الفكر معان متصلة تتدفق باستمرار، ما دام الإنسان في حالة وعي، بينما تكون الألفاظ منفصلة بعضها ببعض.
وإذا كان الإنسان يجد صعوبة عند التعبير عن أفكاره، فهذا يدل على ان عالم الفكر أوسع بكثير من عالم اللغة، الذي تمثله الألفاظ و إشارات محدودة، لا تعبر عن كل ما في ذهن الإنسان من طاقة فكرية. يقول: ” نحن نفشل عن التعبير بصفة كاملة عما تشعر به روحنا، لذلك الفكر يبقى أوسع من اللغة ” هذا الموقف الذي يفصل بين الفكر و اللغة ليس خاصا ببرغسون، فأفلاطين من مصر القديمة، كان يرى نفس الرأي، فالفكر الداخلي الصامت عنده يقابل اللغة التى هي أصوات خارجية، كذلك دونيز ديدرو، في القرن الثامن عشر، يقول بانفصالهما، و إن كان اقل يقينا من برغسون حيث يقول:” أعتقد أننا نملك أفكارا أكثر مما نملك أصواتا “.
في هذا الاستعراض لبعض المواقف التى تبناها فلاسفتنا عبر العصور، تبين لنا الى أي مدى ميز الإنسان بين اللغة و الفكر كمظهرين يعبران عنه، بوصفه كائنا عاقلا ذكيا. إن الإنسان يفكر ثم يتكلم، و تكون اللغة بهذه الوسيلة يستعملها الفكر ليخرج بها أفكاره الى العالم الخارجي، و يوصلها الى الغير.
غير أن هذا التحليل للعلاقة بين اللغة و الفكر تبدوا ظاهرية جدا، لأن الحقيقة غير ذلك تماما. ففي الواقع إننا لا نستطيع أن نفصل عمليا بين الفكر و اللغة، و لا يوجد فاصل زمني بين عملية التفكير، وعملية التعبير، والتفكير الخالص بدون لغة كالشعور الفارغ لا وجود له. فكل فكرة تتكون في قالب رموز تحتويها، و تعطي لنا وجودها و يقول سيروس ” الفكر لا ينفصل عن اللغة “، ويقول لافال “ليس اللغة كما يعتقد البعض ثوب الفكر، ولكن جسمها الحقيقي ” كذلك اثبت علم نفس الطفل، أن الطفل يجهل العالم الذي يحيط به، الى أن يبدأ يتعلم الألفاظ و الجمل فتتكون لديه الأفكار. لا يوجد تصور في الذهن بدون لفظ يكونه، إن الرمز وسيلة للتفكير، وليس غطاءا لفكرة مكونة، كما يعتقد أصحاب المذهب الثنائي الذي يفصل بين اللغو و الفكر.