بطاقة معلومات عن الكتاب
* العنوان : التداولية عند العلماء العرب
* المؤلف : د مسعود صحراوي
* دار النشر : دار الطليعة ــ بيروت
* عدد الصفحات :240
* عدد الفصول :خمسة
* الطبعة :الأولى
* المجال :اللسانيات
تــمهيد
تستهدف اللسانيات الحديثة الدراسة العلمية للظاهرة اللغوية بمختلف وسائلها الإجرائية، وعلى تنوّع جهازها المفاهيمي الواصف ، ومن خلال الوقوف على المناهج اللسانية الحديثة، وملاحظة قصور بعضها كالبنوية ،والتحويلية، ظهرت مفاهيم جديدة منها التداولية، وهي مذهب لساني يدرس علاقة النشاط اللغوي بمستعمليه ،وطرق وكيفيان استخدام العلامات اللغوية بنجاح ،فهي منهج سياقي موضوعه بيان فاعلية اللغة متعلقة بالاستعمال من خلال الوقوف على الأغراض والمقاصد ومراعاة الأحوال وفقه ملابسات الوضع والإنتاج والفهم ، فالتداولية تنظر إلى اللغة باعتبارها نشاطا يمارس من قبل المتكلمين ،لإفادة السامعين معنى ما ضمن إطار سياقي ، ولا تكتفي بوصف البنى في أشكالها الظاهرة ومن ثمّ فهي نظرية " لا تفصل الإنتاج اللغوي عن شروطه الخارجية ولا تدرس اللغة الميتة المعزولة بوصفها نظاما من القواعد المجرّدة وإنما تدرس اللغة بوصفها كيانا مستعملا من قبل شخص معين، في مقام معين موجّها إلى مخاطب معين لأداء غرض معين " .
وإيمانا بتطبيق مثل هذه المناهج اللسانية على التراث اللغوي دون تعسف ، أو إفراط للكشف عن مختلف التطبيقات الموجودة فيه دون انبهار، أو تقديس ،فرب انبهار يؤدي إلى تزييف، أو تقديس يؤدي إلى تحريف ،ظهر مؤلف الدكتور مسعود صحراوي والمعنون ب :التداولية عند العلماء العرب سعى من خلاله المؤلف إلى استثمار المفاهيم التداولية ،خاصة نظرية الأفعال الكلامية في قراءة الموروث اللساني العربي عبر حقول معرفية متعددة كعلم البلاغة وعلم أصول الفقه وعلم النحو ......الخ
ومن هذا المنطلق حدد الكاتب منهجيته، حيث قسم الكتاب إلى خمسة فصول :
الفصل الأول:"الجهاز المفاهيمي للدرس التداولي المعاصر":وتطرق فيه إلى ثلاث نقاط رئيسية:
1- عرض المناخ العام للنظرية.
2- تحديد ماهية التداولية .
3- أبرز المفاهيم التداولية.
في إشارته إلى مفهوم التداولية رأى الكاتب أن تحديد ماهية التداولية ينبغي أن يحدد على أساس تعالق البنية اللغوية بمجال استعمالها فالتداولية ليست علما لغويا محضا يكتفي بوصف وتفسير البنى اللغوية ويتوقف عند حدودها وأشكالها الظاهرة ولكنه علم جديد للتواصل يدرس الظواهر اللغوية في مجال الاستعمال ويدمج من ثم مشاريع متعددة في دراسة ظاهرة التواصل اللغوي وتفسيره ،فالتداولية إذا تسعى إلى إيجاد القوانين الكلية للاستعمال اللغوي والتعرف على القدرات الإنسانية للتواصل وتصير التداولية من ثم جديرة بأن تسمى علم الاستعمال اللغوي .
أما في حديثه عن أبرز المفاهيم التداولية فقد تناول أهمها وهي الفعل الكلامي ، القصدية ،الاستلزام الحواري ، متضمنات القول، ونظرية الملاءمة ،حيث حدد مدلولات هذه المفاهيم بالشرح وذكر الأمثلة .
وفي حديثه عن أفعال الكلام التي هي موضوع دراسة الكتاب
أشار إلى المناخ الذي ظهرت فيه هذه النظرية وهو مناخ فلسفي عام يسمى بتيار الفلسفة التحليلية ، والتي يمكن أن نجمل مفهومها في مجموعة من المطالب والاهتمامات تتلخص في :
1/ضرورة التخلي عن أسلوب البحث الفلسفي القديم وخصوصا جانبه الميتافيزيقي .
2/ تغيير بؤرة الاهتمام الفلسفي من موضوع نظرية المعرفة إلى موضوع التحليل اللغوي
3/ تجديد وتعميق بعض المباحث اللغوية ولا سيما الدلالة .
وعليه فالفعل الكلامي هو نواة مركزية في الكثير من الأعمال التداولية وفحواه أن كل ملفوظ ينهض على نظام شكلي دلالي انجازي تأثيري وفضلا عن ذلك يعد نشاطا ماديا نحويا يتوسل أفعالا قوليه actes locutoire لتحقيق أغراض انجازيه actes illocutoires (كالطلب والأمر والوعد والوعيد ....الخ)
وغايات تأثيرية actes perlocutoires تخص ردود الفعل المتلقي (كالرفض والقبول ) ومن ثم فهو فعل يطمح إلى أن يكون فعلا تأثيريا أي أن يكون ذا تأثير في المخاطب اجتماعيا أو مؤسساتيا ومن ثم انجاز شيء ما .
ومن أهم خصائص الفعل الكلامي هو قيامه على مفهوم القصدية والتي نرى أن الكاتب لم يسهب في شرحها وإنما أشار إليها إشارات خفيفة حيث وصفها بمسلمة تتضمن شبكة من المفاهيم المترابطة كمبدأ الإستراتيجية ، ونمط تنظيم الخطاب ...وغيرها إلاّ أنّ هذا المفهوم يحتاج إلى مزيد تفصيل وبسط ، بتخصيص عنصر مستقل يتناوله كون التداولية ، والأفعال الكلامية تتخذ أساسا لها الاستعمال ، والاستعمال ينبني على المقاصد ، فـ "القصد هو في كلّ لحظة من لحظات استعمال اللغة" .
الفصل الثاني: "معايير التمييز بين الخبر والإنشاء في التراث العربي"
حدد من خلال هذا الفصل موقع ظاهرة أفعال الكلام من منظومة البحث اللغوي العربي ، حيث رأى أنها تندرج ضمن مباحث علم المعاني وتندرج تحديدا ضمن الظاهرة الأسلوبية المعنونة ب الخبر والإنشاء ،وما يتعلق بها من قضايا وفروع وتطبيقات، ولذلك اعتبر نظرية الخبر والإنشاء عند العرب من الجانب المعرفي العام مكافئة ل : مفهوم الأفعال الكلامية عند المعاصرين لهذا نجده يؤثر استخدام مصطلح الخبر والإنشاء بدلا من المصطلح الغربي "الأفعال الكلامية "
وفي حديثه عن الأبعاد التداولية لظاهرة الخبر والإنشاء اعتبر أن دراسة علمائنا لهذه الظاهرة الأسلوبية كان مقتصر على التراكيب الدالة المفيدة التي لها دلالات مباشرة (حرفية) أو غير مباشرة (ضمنية) تفهم منها أو ملازمة لها فالإفادة يمكن اعتبارها قرينة تداولية يعول عليها التداوليون كثيرا ، لا سيما في تحديد علم المعاني الذي يندرج ضمن علم البلاغة الذي كان يستحق من الكاتب أن يفرد له مبحثا خاصا به ذلك انه يعتبر الأقرب إلى التداولية ، والدليل على ذلك تناول البلاغيين كيفية إنتاج النص لدى المتكلم وآلية فهمه عند السامع ، ومدى مراعاة الظروف والأحوال المتلبسة بإنجازه ، وذلك من خلال توخي المتكلم أثناء إصدار الحدث الكلامي حال السامع وهيأته ، إلى جانب إدراك السامع لما يبلغه الأوّل من أغراض ومقاصد يسعى إلى توضيحها – في تراكيب معينة – بدلالة القرائن اللفظية والحالية التي تحفّ الكلام الذي يتلفظ به ؛ فتقسيم الكلام إلى خبر وإنشاء ، وتحديد أنواع الخبر باعتبار السامع والحديث عن مقتضى الحال ، وتأثير العناصر السياقية ، والمقامات المختلفة من صميم بحث التداولية ، وهذا ما نجده خاصة عند أبي يعقوب السكاكي في "مفتاح العلوم" ، وابن سنان الخفاجي في "سرّ الفصاحة" ، وأبي هلال العسكري في "كتاب الصناعتين" ، فمن كيفية الانتقال من المعنى الحرفي إلى المعنى المتضمّن (المستلزم) عبر سلسلة من اللوازم أو الوسائط القريبة والبعيدة ، إلى معاني الأساليب المستفادة من ملاحظة المقاصد والأحوال إلى الشروط التداولية المتعلقة بالمتكلم ، والسامع والنص من خلال القوانين العامة للخطاب من حيث اختيار اللفظ المناسب ، والمعنى المناسب ، واللحظة المناسبة... وغيرها من القضايا التداولية.
هذه الخصوبة والحيوية في المباحث البلاغية وتطبيقاتها المختلفة "قد تكون وحدها كافية لأن تمثل كثيرا من مباحث اللسانيات التداولية ، فهي لا تختلف عن اهتمامات التداولية التي هي دراسة اللغة حال الاستعمال"
ثم تناول مراحل وأطوار تطور ظاهرة الخبر والإنشاء حتى استقرت على أسس علمية دقيقة ونهائية على يد اللاحقين للسكاكين .
وفي حديثه عن معايير تمييز العرب بين الخبر والإنشاء
وبعد ذكره لأهم المعايير المعتمدة للتمييز بين الخبر والإنشاء خلص الكاتب إلى أن تصور وآراء العلماء العرب في التمييز بين الخبر والإنشاء مختلفة ،لكن على الرغم من ذلك الاختلاف الإيجابي والتعدد في وجهات النظر، فانه يمكن لنا أن نميز بين الأسلوبين عن طريق التأليف بين تلك الآراء بتصور مفاده أن الخبر هو الخطاب التواصلي المكتمل إفاديا والذي يؤيد المتكلم من نسبته الكلامية أن تطابق نسبته الخارجية وان الإنشاء هو : الخطاب التواصلي المكتمل إفاديا والذي يريد المتكلم من نسبته الكلامية أن توجد نسبته الخارجية .
الفصل الثالث: تقسيمات العلماء العرب للخبر والإنشاء "
و تناول فيه تقسيمات إجمالية للإنشاء والخبر لبعض الفلاسفة (الفارابي ، وابن سينا) ، وأخرى تفصيلية للبلاغيين (السكاكي) ، وأخرى لعلماء اللغة (الجاحظ ، والمبرد ، والأستراباذي) الذين لم يكتفوا بالتمييز الإجمالي العام بين الخبر والإنشاء بنوعيه الطلبي وغير الطلبي ، بل راحوا يقسمون كلا منهما إلى أقسام فرعية تفصيلية ، عمد الكاتب مناقشتها قصد الإلمام بتصوراتهم المختلفة للظاهرة .